حقيقة الصراط المستقيم في الآخرة



من الحقائق التي سنقف عليها في بحوث هذا التفسير،

أنّ كلّ ما يظهر للإنسان في النشأة الآخرة، إنّما هو باطن ما كان 

له في هذه النشأة الظاهرة؛ قال تعالى:

(يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ 

الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون ) (الروم: 7).

تأسيساً على هذه الحقيقة القرآنية، فإنّ الصراط هنا له 

ظهور في تلك النشأة بالنحو المناسب لها. 

لذا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«الصراط صراطان صراطٌ في الدُّنيا وصراطٌ في الآخرة،

فأمّا الصراط في الدُّنيا فهو الإمام المفترض الطاعة، 

مَن عرفه في الدُّنيا واقتدى بهُداه مرّ على الصراط الذي 

هو جسر جهنّم في الآخرة، ومَن لم يعرفه في الدُّنيا 

زلّت قدمه في الآخرة فتردّى في نار جهنّم» .

من هنا ربطت النصوص الواردة في هذا الباب بين كيفيّة 

اجتياز هذا الصراط، ومقدار اتّباع الدِّين الحقّ في هذه النشأة. 

عن الإمام الباقر عليه السلام قال: 

«لمّا نزلت هذه الآية:

(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) سُئل عن ذلك 

رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال:

أخبرني الروح الأمين أنّ الله لا إله غيره إذا برز الخلائق 

وجمع الأوّلين والآخرين، أتى بجهنّم تُقاد بألف زمام،

أخذ بكلّ زمام مئة ألف يقودها من الغلاظ الشداد،

لها هدّة وغضب وزفير وشهيق، 

وأنها لتزفر زفرة، فلولا أنّ الله أخّرهم للحساب لأهلكت 

الجميع، ثمّ يخرج منها عنق فيحيط بالخلائق، البرّ منهم والفاجر، 

ما خلق الله عبداً من عباد الله ملكاً ولا نبيّاً إلاّ ينادي: 

ربِّ نفسي نفسي، وأنت يا نبيّ الله تُنادي:

أُمّتي أُمّتي!

ثمّ يوضع عليها الصراط أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف، 

عليه ثلاث قناطر: فأمّا واحدة فعليها الأمانة والرحم،

والثانية الصلاة، والثالثة فعليها ربّ العالمين، 

لا إله غيره. فيكلّفون الممرّ عليها، فيحبسهم الرّحم والأمانة،

فإن نجوا منها حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى 

إلى ربّ العالمين، وهو قوله: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر: 14).

فمتعلّق بيد وتزول قدم ويستمسك بقدم، والملائكة حولها ينادون:

يا حليم، اعف واصفح، وعُد بفضلك، وسلم سلم، 

والناس يتهافتون في النار كالفراش فيها، فإذا نجا ناج برحمة الله مرّ بها،

فقال: الحمدُ لله وبنعمته تتمّ الصالحات وتزكو الحسنات، 

والحمد لله الذي نجّاني بعد إياسٍ بمنّه وفضله،

إنّ ربّنا لغفورٌ شكور» .

- وفي «العلل»

عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى:

(إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (الصافّات: 24) قال عليه السلام:

«لا يجاذبه قدما عبد حتّى يسأل عن أربع:

عن شبابه في ما أبلاه؟ وعن عمره في ما أفناه؟ 

وعن ماله من أين جمعه وفي ما أنفقه؟ وعن حبّنا أهل البيت» .

- وفي المجمع

عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، قال:

«يرد الناس النار ثمّ يصدرون بأعمالهم، فأوّلهم كلمح البرق، 

ثمّ كمرّ الريح، ثمّ كمحضر الفرس، ثمّ كالراكب، ثمّ كشدّ الرجل، 

ثمّ كمشيه».

- وجاء في بعض الأخبار:

أنّ الصراط يظهر يوم القيامة منه للأبصار على قدر نور المارّين عليه،

فيكون دقيقاً في حقّ بعض، وعريضاً في حقّ آخرين.

يصدّق هذا المعنى قوله تعالى:

(يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) (الحديد: 12)،

لذا ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: 

«تقول النار للمؤمن يوم القيامة: جُزْ يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي».

وورد أيضاً أنّه سُئل صلّى الله عليه وآله عن قوله: 

(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) (مريم: 71) فقال:

«إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، قال بعضهم لبعض:

أليس قد وعدنا ربّنا أن نرد النار، فقال: قد وردتموها وهي خامدة» .