مسؤولية الأمة تجاه القرآن الكريم


النص الكامل لكلمة سماحة آية الله السيد مرتضى القزويني التي ألقاها في الندوة القرآنية الأولى للمدارس الدينية التي أقامتها دار القرآن الكريم في العتبة الحسينية المقدسة.

إعداد: الشيخ حسين اللامي

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} ﴿الفرقان: ٣٠﴾.

سمعت من آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني (حفظه الله) قوله: "إن القرآن مظلوم ونحن من ظلمه". ثم تلا قوله تعالى: {وَيُضِلُّ اللَّـهُ الظَّالِمِينَ}.

 وإنها حقاً لعبارة مخيفة ومرعبة إذ نعد نحن من ظلم القرآن الكريم، والنتيجة يضل الله الظالمين. 

كيف نؤدي واجبنا لكي نقف أمام ظلمنا للقرآن الكريم؟

القرآن الكريم أمانة الله في أعناقنا، ونحن نصبح ونمسي ونشغل أوقاتنا بأمور أخرى على أثر الانشغال بها هجرنا كتاب الله و إنها والله لمصيبة!. لقد ورد في جملة من الأحاديث الشريفة أن القرآن الكريم شافع مشفع.. كيف بنا وشفيعنا يوم القيامة هو خصيمنا أيضاً؟!  وفي مضمون حديث آخر أن هناك ثلاثة يأتون يوم القيامة يخاصمون ويشكون إلى الله، الأول هو القرآن المتروك الذي قل ما يُقرأ، وإذا قُرء قل ما يتدبر فيه. أما الثاني فهي المساجد المهجورة، والثالث العلماء المهجورين الذين لا يأخذ بعلمهم أحد، وهؤلاء الأصناف الثلاثة يأتون يوم القيامة ويشكون إلى الله سبحانه وتعالى وعند ذلك يأخذ الله سبحانه وتعالى الحق لهؤلاء.. ففي أي موقع سوف نكون نحن يوم القيامة؟ 

أين المجتمع عن مسؤوليته تجاه القرآن؟!

من هنا فإن على جميع شرائح المجتمع الإسلامي، من العلماء والتجار والفلاحين والأساتذة والمعلمين والآباء والأمهات؛ أن يربوا أولادهم ماداموا صغاراً على قراءة القرآن الكريم وحفظ آياته وتجويدها وفهمها. وكما تعلمون فإن للقرآن تفسير وتأويل، وله ظهر وبطن، وللبطن بطن إلى سبعة بطون، والى سبعين بطن والى ما لا تحصى، وهذا التفصيل عن المعصومين عليهم السلام، فأين نحن عن ظهر القرآن؟ وأين نحن عن بطونه؟. يقول الإمام الحسين (عليه السلام): "كتاب اللّه ـ عز وجلّ ـ على أربعة أشياء: على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق. فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء والحقائق للأنبياء". 

فأين نحن عن عبارات القرآن و إشاراته ولطائفه وحقائقه؟

مسؤولية الخطباء والمبلغين تجاه القرآن

إن القرآن مظلوم يستغيث ونحن أولى الناس بإغاثته الاعتناء به، خصوصاً وان رسول الله، صلى الله عليه واله، يقول: "أشراف أمتي أصاحب الليل وحملة القرآن" وحمل القرآن لا يعني أن نحمل كلماته مجردة دون فهم مرادها والسير على هداها. علينا أيها الأخوة أن نكون حملة القرآن وقرائه.. علينا أن نوجه مجتمعاتنا أيضاً لتكون مع القرآن الكريم، وفي الحديث "ان كل بيت يقرأ فيه القرآن يتجلى لأهل السماوات ويضيء لهم كما تضيء الكواكب لأهل الأرض".

 هل أن بيوتنا المشغولة بالتلفاز والانترنت وغيرها من وسائل اللهو تنير لأهل السماوات؟

من هنا نحن نؤكد على أصحاب المنابر والأقلام والحوزات العلمية والمدارس الأكاديمية وعلى مراجع التقليد أيضاً أن يحمّلوا الحكومة والسلطات في وزارة التربية، وزارة التعليم العالي و وزارة الثقافة؛ عليهم أن يحرصوا على أن تكون هناك حصة كبيرة مناسبة للقرآن الكريم في المدارس الابتدائية والمتوسطة والكلية والجامعات التي تبدو تقريباً فارغة من القرآن واكتفت بمعلومات قشرية.

القراءة ..التلاوة ..الترتيل ..التدبر؛ أربعة أوامر إلهية

يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة المزمل: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّـهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ  فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} – (المزمل – 21).

وهنا أمر إلهي عبر هذه الآية المباركة يدل على الوجوب بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم، ويقول تعالى في صدر السورة أيضاً : {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿١﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٢﴾ نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿٣﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴿٤﴾}  (المزمل).

 والخطاب هنا للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله، ولكن نحن أيضاً مأمورون بما أمر به نبينا، حيث أمر بالقراءة والترتيل. وفي آية أخرى يقول ربنا: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة - 121﴾.

 وفي آية أخرى أيضاً يقول تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} ﴿محمد: ٢٤﴾.

إذن؛ هناك أربعة أوامر ينبغي أن ننصاع إليها، وهي القراءة والتلاوة والترتيل والتدبر والآيات تشير إلى أن هناك مجموعة من الأقفال التي ينبغي للإنسان أن يفتحها بالتدبر في آيات القرآن الكريم والتأمل العميق فيها، فكلما تدبرنا في آية فتحنا قفلاً، وكلما ازدادت لدينا محاولات التدبر في القرآن الكريم كلما فتحنا العديد من هذه الأقفال وتنشرح قلوبنا، حيث يعد التدبر من  أهم الطرق لانشراح القلب والصدر.

إن في القرآن الكريم كماً هائلاً من العجائب التي نغفل عنها كثيراً بسبب عدم تدبرنا في آياته، وهذه العجائب متاحة أمامنا ولكن من ذا الذي يستطيع أن يخوض هذا الخوض وينزل إلى أعماق القرآن الكريم لكي يستخرج كنوزه كما فعل علي بن أبي طالب، عليه السلام، وتلاميذه من أمثال ابن عباس، ألا يتوفر فينا الاستعداد و القابلية أن خوض في أعماق كتاب الله كما فعل أمير المؤمنين لنستخرج منه الجواهر الثمينة؟