المرأة في الخطاب القرآني


قال تعالى : { يا أيّها الناسُ اتّقوا ربَّكمُ الذي خلقكُم منْ نفسٍ واحدةٍ وخَلَقَ منها زوجها وبثَّ منهما رِجالاً كثيراً و نساء } سورة النساء آية 1 .

المراد بالنفس الواحدة هو حقيقة واحدة ، وجوهرة واحدة ، والآية الكريمة توضح إن الناس جميعا رجالا ونساء متفقون في الحقيقة الإنسانية  ، ولا فرق بين الرجل والمرأة في المبدأ ، والاعتبار في التمايز هو للتقوى قال تعالى : { إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم } سورة الحجرات آية 13

مكانة المرأة في الخطاب الإلهي

عندما نتحدث عن موقع المرأة في الخطاب الإلهي ، فإن الحديث في الحقيقة يكون عن موقع الأنسان في القرآن لأن المرأة تتمتع بمكانة كبيرة في القرآن الكريم تقوم على موقع الإنسان ، ولأن القرآن جاء لهداية الإنسان ، ولم يأتِ لهداية الرجل وحده أو المرأة وحدها ؛ لذا عندما يبين القرآن هدف الرسالة ونزول الوحي يقول :

{ شهرُ رَمضانَ الذي أُنزِلَ فيه القرآنُ هدىً للنّاسِ } سورة البقرة آية 185

ان كلمة { ناس } المطروحة في القرآن بعنوان (هداية الإنسان) ﻻ تلحظ صنفا خاصا بل تشمل المرأة والرجل على حد سواء ، قال تعالى : { الرَّحمن * علَّمَ القرآن * خَلَقَ الإنسانَ *علَّمَهُ البيانَ } سورة الحمن آية 1-4 .

 فالمعلّم هو الرحمن ، ودرس العلم هو الرحمة ، والتلميذ هو الإنسان  ؛ فالكلام إذن ليس عن رجل وامراة ، بل محور التعليم والتربية هو الروح الإنسانية ، والروح لا تُصنّف إلى ذكر أو أنثى لذا ليس في مورد البحث رجل أو امرأة أصلا .

القيم والأخلاق لا تقبل التصنيف

هناك الكثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن القيم والأخلاق ، فالعلم قيمة أخلاقية وضدّه الجهل ،  والإيمان قيمة أخلاقية وضده الكفر والصدق قيمة أخلاقية وضده الكذب ، والتقوى قيمة أخلاقية وضدها الفسوق .. وهكذا ، فهذه الأوصاف ليست مذكرة أومؤنثة ، وكذلك موصوفها ؛ فالبدن المادي لا يوصف بأنه عالم أو جاهل ، أو تقي أو فاسق ؛ بل صاحب القيمة هو الروح والتي لا تقبل التصنيف إلى ذكر وأنثى ؛ لذا تقول الآية الكريمة : { ونفسٍ وما سوّاها * فالهمها فجورَها وتقواها } سورة الشمس آية 7، 8  ؛ فالفجور والتقوى معلومان للإنسان بإلهام فطري ، وهي ليست علوم خارجية يتعلّمها بالبحث والدراسة ، والنفس الإنسانية هي التي أُلهمت  ، وهي التي تُزكّى أو تٌدسّ وهي التي تكون نهايتها الفلاح أو الخيبة في نهاية الأمر ، وهذه النفس كما قلنا لا تقبل التصنيف إلى ذكر أو أنثى فيكون الخطاب الإلهي  في كل الآيات القرآنية  التي تتحدث عن القيم الأخلاقية واحدا للنساء والرجال على حد سواء .

السلوك إلى الله

قال تعالى : { يا أيُّها الإنسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى ربِّكَ كدحاً فملاقيه } الانشقاق آية 6

السير والسلوك إلى الله تعالى لا يكون بالبدن ، بل الروح هي التي تسير إلى ربها سيرا تكامليا حتى اللقاء ، وهي التي تحدد مصيرها في هذا اللقاء ، فأما ان تأخذ كتاب أعمالها بيمينها وتفوز بالجنة والسرور ، وأما تأخذه بشمالها فتكون جهنم هي المصير والمأوى .

الخطاب في الآية موجّه للإنسان ، وفي الإنسانية ليس هناك كلام عن ذكر أو أنثى ، فالمهم ان يصل الإنسان إلى لقاء الله ، أما لقاء للجمال الإلهي ، أو للجلال الإلهي ، وفي الطريق تتساوى المرأة مع الرجل .

السير إلى الله ليس منسوبا إلى البدن ، ولو كان كذلك لكان رجوعا ماديا وقربا ماديا ، والقرب المادي لا يكون إلا لشيء مادي ، والله تعالى منزّه عن القرب والبعد الماديين ؛ ولذا نجد بعض الآيات استخدمت لفظ النفس : { يا ايّتها النفسُ المطمئنةُ * ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضيةً } الفجر آية 27 ، 28 ، أو لفظ القلب : { يوم لا ينفعُ مالٌ ولا بنون * إلا منْ أتى اللهَ بقلبٍ سليم } سورة الشعراء آية 88 ، 89

آية الذّرّ وآية الفطرة

قال تعالى : { وإذ أخَذَ ربُّكَ من بني آدم من ظهورِهم ذريّتهم وأشهَدَهُم عل أنفسِهِمْ ألستُ بربّكم قالوا بلى شهِدْنا } الأعراف آية 179، تسمى هذه الآية في كتب التفسير آية الذّر ، والآية تتحدث عن أخذ الميثاق في نشأة إنسانية أخرى غير هذه النشأة ، واستخدمت تعبير { بني آدم } ، ورغم إن ألفاظ هذه الآية هي الفاظ مذكرة ولكن العنوان واضح  وهو أبناء آدم ، ذكورهم وأناثهم ، فالجميع قالوا { بلى } ، وشهدوا على عبوديتهم ، وأدركوا ربوبية الله سبحانه وتعالى بالعلم الشهودي لا العلم الحصولي ، هذا المقام الرفيع يتعلّق بإنسانية الأنسان بدون تدخل الذكورة والأنوثة .

وكذلك آية الفطرة ، قال تعالى : { فأقمْ وجهّكّ للدينِ حنيفا ً فطرةَ اللهِ التي فطَرّ الناس عليها لا تبديلَ لخلقِ الله } سورة الروم آية 30 ، هذه الآية توضح إن الناس خلِقوا على فطرة التوحيد ، واستخدمت تعبير (الناس) ؛ فالناس جميعا خلِقوا موحّدين ، والقضية لا تختصُّ بالماضي والحاضر ، بل المستقبل أيضا محكوم بهذا الحكم  ، وهذا ما يؤكده ذيل الآية :

{ لا تبديل لخلق الله } .

الحياة الطيبة

قال تعالى : { منْ عمِل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فَلَنحيينَّهُ حياةً طيبةً } سورة النحل آية 97 .

توضح الآية الكريمة إن الملاك في الوصول إلى الحياة الطيبة أمران ، الأول هو الحسن الفاعلي ، وهو أن يكون الإنسان مؤمنا ، والإيمان كما ذكرنا سابقا قيمة أخلاقية تتعلق بالروح والتي لا تقبل التصنيف  ، والآخر هو الحسن الفعلي ، وهو ما عبرّت عنه الآية بالعمل الصالح  ، فإذا صدر العمل الصحيح من العامل الصحيح فإن الثمرة ستكون في النهاية الحياة الطيبة .

 المرأة وأصول الدين

 إن خلاصة محتويات القرآن توضح إن الكمالات الإنسانية تكمن في معرفة المبدأ ، ومعرفة المعاد ، ومعرفة الوحي والرسالة ، فالعالم له بداية وهو الله تعالى ، وله نهاية هي المعاد ، وبين البداية والنهاية يوجد خط النبوة والوحي ، وهذه هي أصول الدين التي يجب على كل مكلف الاعتقاد بها ، وقيل إن الجملة المروية عن الإمام علي عليه السلام تتعلق بهذه الأصول الثلاث وهي : ( رحم الله امرءا عرف من أين ، وفي أين ، وإلى أين ) ؛ فلا الذكورة مشروطة بمعرفة أصول ادين ، ولا الأنوثة مانع ، والأنبياء دعوا الناس جميعا إلى هذه الأصول ولا توجد دعوة خاصة للرجال وأخرى للنساء  فعندما يقول القرآن : { أدعوا إلى اللهِ على بصيرةٍ أنا ومنِ اتبعني } سورة يوسف آية 108 ، فإن هذه الدعوة عامة تشمل الناس جميعا ،  وكذلك قوله تعالى :

{ فمنْ تَبِعني فإنّهُ منّي } سورة إبراهيم آية 36 فكل من يتّبع الوحي ينسب إلى النبي مهما كان جنسه .

جزاء الأعمال لا يختصٌّ بجنس  

رغم إن الله تعالى يقول في جزاء الأعمال :{ كلُّ امرء بما كسبَ رهينٌ } سورة الطور آية 21 ، لكن كلمة ( امرء ) ليس المقصود منها الرجل في مقابل المرأة ؛ لأنه في آية أخرى جاء تعبير

( نفس ) قال تعالى : { كلُّ نفسٍ بما كسبتْ رهينةٌ } سورة المدثر آية 38 ، ومرة أخرى جاء تعبير الإنسان : { وأنْ ليسَ للإنسانِ إلّا ما سَعَى } النجم آية  39 ،بناء على هذا فإن مسألة الجزاء لا تختصُّ بجنس خاص ، ولأن المعاد هو العودة إلى المبدأ ، فكل إنسان مسؤول تجاه عمله سواء كان ذكرا أو أنثى .

المرأة والدور العملي

بعد أن عرفنا عدم وجود أي فرق في الخطاب الإلهي بين الرجل والمرأة ، وعدم وجود فرق في السلوك إلى الله ، ولا في معرفة أصول الدين ولا في جزاء الأعمال ، وإن الإسلام لم يشترط الذكورة في الكمالات المعنوية ، فهنا قد يُطرح سؤال : لماذا نرى في قسم مهم  من المسائل الفقهية يشترط فيها الذكورة كالقضاء والوﻻية والمرجعية ؟

والجواب على هذه الإشكال هو :

إن المسائل المعنوية شيء ، والمناصب والأعمال التنفيذية شيء آخر ؛ فالأولى تعتبر مقاما تتعلق بالإنسان وتعطيه زينة وفخرا ، بينما  المناصب والأعمال التنفيذية هي وظيفة  ؛ لذا فهي بمثابة أمانة كالمرجعية ، والوﻻية ؛ والفرق بين المقام المعنوي والمنصب هو ان المقامات المعنوية ملك للإنسان بينما المنصب أمانة في عنقه  لذلك كتب الإمام علي عليه السلام إلى الاشعث بن قيس : (واعلم أن عملك ليس لك بطعمة وإنما هو أمانة في عنقك  ) .

  التفقّه في الدين كمال تستطيع المرأة الحصول عليه ، وتستطيع أن تصل إلى مستوى الشيخ الأنصاري أو غيره من الفقهاء فالمرأة تستطيع ان تدرس وتكون فقيهة ومجتهدة ،وأن تخرّج رجالا فقهاء ومجتهدين ، ولكنها ﻻ تتصدى للمرجعية والوﻻية ؛ لأن المرجعية أمانة ووظيفة وفي حدود الأمانة والوظيفة فالأعمال مقسّمة ؛ فولي أمر المسلمين يجب أن يكون رجلا لأن الوﻻية تتمة للإمامة ، وإن ولي أمر المسلمين عليه أن يأمر بالحرب تارة ، وبالسلم أخرى وهذه الأعمال تحتاج إلى جهد بدني صعب ، ويتوجب على المتصدي لها أن يكون له ارتباط بكل المجتمع وبالنسبة للمرأة فهذا ينافي ما جاء في الروايات : ( إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ) ، وكذلك الأمر بالنسبة للقضاء والذي يرافقه إقامة الحدود كحد السرقة وحد الزنا وغيره ، وتطبيق التعزيرات وهذه أمر يصعب على المرأة القيام به ، إضافة إن وظيفة المرأة الأساسية وهي الحمل والولادة والرضاعة والتربية ، وحفظ كيان الأسرة من الداخل وهذا أيضا سبب وجيه لعدم تصديها للأعمال التنفيذية .

إن العظمة التي جعلها الإسلام للمرأة هي نفس العظمة التي جعلها للإنسان ، ولا فرق بين الرجل والمرأة في الخطاب الإلهي ، وللمرأة دور ومقام مرموق بيّنه القرآن الكريم في كثير من الآيات ، وأوضح إن لكل صنف وظيفته الخاصة به وإنه تعالى ينظر الى القلوب ويجازي بالأعمال على حد السواء ، ففي المعايير الأساسية يساوي الإسلام بين المرأة والرجل ، وإن وجد اختلاف فهو في قضايا تنفيذية تميز بها الرجل ، وتقابلها مسؤولية أكبر ، ووزر أعظم إن لم يقم بها على الوجه الكامل .

المصادر :

1-    القرآن الكريم

2-     نهج البلاغة

3-   الميزان في تفسير القرآن / السيد  الطباطبائي  

4-   جمال المرأة وجلالها / الشيخ جوادي آملي