سلسلة دروس في الوقف والابتداء -1-


القسم الأول: «الدراسة»الدرس الأول:التعاريفتعريف الوقف:الوقف في اللغة: هو الحبس وفي القراءة هو قطع الكلمة عمّا بعدها.وقد جاءت مادة وقف في القرآن الكريم بالمعنى اللغوي في أربعة مواضع:قوله تعالى: ? وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ ... ? (الأنعام/30).وقوله تعالى: ? وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ... ? (الأنعام/37).وقوله تعالى: ? مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ... ? (سبأ/31).وقوله تعالى: ? وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ? (الصافات/24).وكلها تدل على الحبس وسكون الحركة.ووردت هذه المادة في الحديث الشريف كثيراً، منها:« ... إنّ القرآن لا يُقرأ هذرمةً ولكن يرتّلُ ترتيلاً، فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها، وسَلِ الله عزّ وجلّ الجنّة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار، فقف عندها وتعوّذ بالله من النار » فالوقف هنا بمعنى قطع القراءة. وفي اصطلاح الفقهاء: الوقف هو عقد ثمرته تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة.وفي اصطلاح النحويين: هو قطع النطق عند آخر الكلمة والوقف عليها بصورة معيّنة.وأمّا الوقف في اصطلاح القرّاء فلنا بحث مفصل حوله أنّ علماء الوقف والابتداء والقرّاء الأوائل أصحاب التآليف كابن الأنباري (ت: 328 هـ) وابن النحاس (ت: 338 هـ) والداني (ت: 444 هـ) وغيرهم، رغم تقسيمهم للوقف وتتبّعهم كلمات القرآن بالاستقراء الكافي، والوقوف أمام كل جملة مناقشين و محلّلين، لم يتعرضوا لتعريف «الوقف» على شكل نصّ، بل يمكن أن يفهم التعريف من كلامهم ضمنياً خلال الحديث عن أقسام الوقف في كتبهم، وأول عالم جاءنا بنص عرّف فيه الوقف هو الشيخ أبو الخير محمد، الشهير بابن الجزري (ت: 833 هـ) حيث يقول: « والوقف عبارة عن قطع الصوت على الكلمة زمناً يتنفس فيه عادة بنيّة استئناف القراءة أما بما يلي الحرف الموقوف عليه إن صلح الابتداء به، أو بما قبله من غير قصد الإعراض عن القراءة ويكون الوقف في رؤوس الآي وأواسطها ولا يكون في وسط الكلمة ولا فيما اتصل رسماً ولا بدّ من التنفّس معه ». [النشر في القراءات العشر لابن الجزري، ط. دار الكتب العربية، مصر لا. ج1 ص 240]إنَّ هذا التعريف مع كونه تعريفاً واضحاً و شاملاً إلاّ أنّه ينقصه تقييد الزمن، هل الزمن يسير أو طويل علماً بأنَّ المراد هو الزمن اليسير.فالعلماء المحدثون عرّفوه تعريفاً جامعاً شاملاً إذ يقولون: « الوقف هو قطع الصوت عند آخر الكلمة القرآنية زمناً يسيراً يتنفس فيه عادة مع قصد الرجوع إلى القراءة أمّا بما يلي الحرف الموقوف عليه إن صلح الابتداء به أو بالحرف الموقوف عليه أو بما قبله ممّا يصلح الابتداء به ولا بدّ في الوقف من التنفس معه ». [أحكام قراءة القرآن للشيخ محمود خليل الحصري ص 198، سلسلة دراسات في الإسلام، ط. المجلس الأعلي للشؤون الإسلامية، القاهرة العدد 114 لا.ت]وكان كثير من العلماء المتقدمين على ابن الجزري يطلقون كلمة «الوقف» و «القطع» و «السكت» في كلامهم ويقصدون غالباً «الوقف» ولا يريدون بها غير الوقف إلاّ مقيّدة وأمّا عند المتأخرين وغيرهم من المحققين فقد فرّقوا بين هذه الاصطلاحات الثلاثة.فـ «الوقف» قد مرّ تعريفه لغة واصطلاحاً أما « القطع » لغة: فهو الإبانة والإزالة. واصطلاحاً: « فهو عبارة عن قطع القراءة رأساً، فهو كالانتهاء، فالقارئ به كالمعرض عن القراءة والمنتقل منها إلى حالة أخرى سوى القراءة وهو الذي يستعاذ بعده للقراءة المستأنفة أدباً ولا يكون إلاّ على رأس آية لأنّ رؤوس الآي في نفسها مقاطع ». [النشر لابن الجزري، ج 1 ص 239]وأما السكت لغة: فهو الامتناع، يقال: سكت فلان عن الكلام إذا امتنع منه.واصطلاحاً: هو عبارة عن قطع الصوت زمناً هو دون زمن الوقف عادة من غير تنفس [النشر لابن الجزري، ج 1/240] مع قصد القراءة وهو مقيد بالسماع فلا يجوز إلاّ فيما يثبت فيه النقل وصحّت به الرواية و يكون في وسط الكلمة وفيما اتَّصل رسم ». [معالم الاهتداء في الوقف والابتداء للشيخ محمود خليل الحصري (ت: 1401هـ) ص 174، سلسلة دراسات في الإسلام، ط. المجلس الأعلي للشؤون الإسلامية، القاهرة لا. ت]تعريف الابتداء:الابتداء لغة هو ضد الوقف، تقول بدأتُ الشي‏ء: فعلتُهُ ابتداءً والبدء: فعلُ الشي‏ء أولاً. [لسان العرب لابن منظور (ت: 711) مادة: « بدأ » ط. نشر آدب الحوزة قم - ايران سنة 1405هـ.]واصطلاحاً: هو الشروع في القراءة سواء كان بعد قطع وانصراف عنها أو بعد وقف فإذا كان بعد قطع فلا بدّ فيه من مراعاة أحكام الاستعاذة والبسملة - وسيأتي بحثها في قسم التطبيقات في أول سورة الحمد - وأما إذا كان بعد وقف فلا حاجة إلى ملاحظة ذلك لأن الوقف إنّما هو للاستراحة وأخذ النفس فقط. [غاية المريد في علم التجويد لعطية قابل نصر، ص 233.ط. دار الحرمين القاهرة مصر سنة 1994 م الطبعة الرابعة]فالوقف والابتداء عند القرّاء: « فنٌّ جليل به يعرف كيفية أداء القرآن ويترتبُ على ذلك فوائد كثيرة واستنباطات غزيرة وبه تتبيّن معاني الآيات ويؤمن الاحتراز عن الوقوع في المشكلات ». [البرهان في علوم القرآن للإمام بدر الدين محمد الزركشي، ج 1 ص 415 الطبعة الأولي 1408هـ - 1988م دار الفكر، بيروت لبنان] ولدراسة الوقف والابتداء على منهج القرّاء وفي علم القراءات هناك جانبان:أولهما: معرفة ما يوقف عليه وما يبتدأ به وهذه قضية يحدّدها المعنى ويحكم فيها السياق وتتصل بتجويد الأداء. والآخر: كيف يوقف على الكلمة وكيف يبتدأ وما يحدث في هذا الصدد من صور صوتيّة أو تصريفية [في علوم القراءات للدكتور سيد رزق الطويل، ص 158 الطبعة الأولى سنة 1405هـ مكة المكرمة المكتبة الفيصلية]، والذي يهمنا هنا هو الجانب الأول.ــــــــــــــــ* دروس منتخبة من كتاب الوقف والابتداء في القرآن الكريم دراسة وتطبيقاً للمؤلف الأستاذ عبد الرسول عبائي.