م.د ساجد صباح العسكريّ
جامعة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)/ فرع ذي قار
قال تعالى: }فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَ نَراهُ قَرِيبًا} (المعارج: 5-7).
أوّلًا: مفاتيح استنطاق الآية:
سبب نزول الآية: هو اعتقاد الكافرين أنّ وقوع المعاد أمر بعيد عقلًا، في حين أنّ الله تعالی يقول: إنّ المعاد أمر حتميّ وواقع وقريب جدًّا: } إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَ نَراهُ قَرِيبًا} فكلّ متوقَّع آتٍ([1]).
عموميّة الخطاب القرآنيّ: الخطاب بالصبر إلى النبي الأكرم من باب (إيّاك أعني واسمعي يا جارة)، فالأمر بالصبر لا يقتصر على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بل هو شامل لكلّ المكلَّفين([2]).
صلاحيّة القرآن الكريم لكلّ زمان: القرآن الكريم يجري ما جرى الليل والنهار، وغير مقتصر على زمان دون زمان، وهو علاج لجميع المشكلات، فعلينا استنطاقه في كلّ ما يواجهنا لنحصل على الإجابة منه، وهذا نوع من أسلوب التفسير الموضوعيّ كما يراه السيّد محمّد باقر الصدر([3]).
الصبر الجميل: المراد بالصبر الجميل: هو الصبر الذي ليس فيه جزع وفزع أو كلام بذيء، وليس مجرَّد صبر فحسب([1]).
الرؤية الاعتقاديّة: المراد بالرؤية الاعتقاد بنوع من العناية المجازيّة (نراه)، أي نعتقده، و رؤيتهم ذلك بعيدًا، ظنّهم أنّه بعيد من الإمكان، يرونه يظنّونه لعدم اعتقادهم به، فإنّ سؤال العذاب من الله سبحانه استكبارًا عن دينه و ردًّا لحكمه لا يجامع الإيمان بالمعاد([2]).
ثانيًا: ما الذي نفيده من الآية المباركة؟
1- الآية الكريمة تؤسِّس لمبدأ مهمّ وهو (الصبر الجميل) عند مواجهة البلاءات والضيق والشدّة، فكلّما تعسَّر الأمر جاء الفرج من حيث لا نحتسب. قال تعالى: )حَتَّی إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا((يوسف: 110)، وما كان النصر ليكون لولا الصبر الجميل.
2- إنّ الله سبحانه جعل الكون قائم على نظام العلل، قال تعالى: )يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم((محمد:7)، فالنصر الإلهيّ متوقّف على شرط أن تكون هناك فاعليّة ومحرّكيّة من قبل العبد، وواحدة من تلك الفاعليّات الصبر الجميل والإيمان بالفرج الإلهيّ.
3- من تطبيقات هذه الآية من باب الجري والانطباق أنّ ظهور الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) كما جاء في زيارة آل يس ((اللّهمّ أرني الطلعة الرشيدة...، وعجِّل لنا ظهوره، إنَّهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا...))، وجاء في آخر فقرات دعاء العهد: ((إنَّهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا)).
فعلى المؤمن أن يراه قريبًا مهما حاول أعداء الإسلام والمذهب أن يجعلوه بعيدًا بما يمارسونه من أساليب وتضليل وشبهات وغزو فكريّ على مستويات مختلفة، فقد جاء في الروايات توقّع ظهوره صباحًا ومساءً.
4- الآية المباركة ملجأ لكلّ مؤمن أو جماعة مؤمنة تتعرّض للشدّة والبلاء، فهي تؤسّس للأمل بعد اليأس والفرج بعد الكرب والشدّة، ولا شكّ أنّ الله سبحانه لا يُخلف وعده، وقد لمسنا عمليًا قبل أيّام تحقُّق الوعد الإلهيّ بنصر المؤمنين الصابرين في جنوب لبنان، فالمعادلة ليست معادلة قوى فحسب بل هي إيمان بالفرج الإلهيّ عند كلّ بلاء.
1 ينظر: مجمع البيان، الطبرسي: 10/ 120.
2 ينظر تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي: 362/19.
3 ينظر: المدرسة القرآنية، محمد باقر الصدر: 17-18.
4 ينظر: لطائف الاشارات، القشيري: 3/629.
5 يُنظر: تفسير الميزان، الطباطبائي: 8/20.