كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلی‌ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثی‌ بِالْأُنْثی‌ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‌ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ.......


 

أيهما أحب إلى الله العفو أم القصاص؟

 

‏يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلی‌ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثی‌ بِالْأُنْثی‌ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‌ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدی‌ بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)  سورة البقرة

 

قوله تعالی: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‌ءٌ. المراد بالموصول القاتل، و العفو للقاتل إنما يكون في حق القصاص فالمراد بالشي‌ء هو الحق، و في تنكيره تعميم للحكم أي أي حق كان سواء كان تمام الحق أو بعضه كما إذا تعدد أولياء الدم فعفا بعضهم حقه للقاتل فلا قصاص حينئذ بل الدية. وفي التعبير عن ولي الدم بالأخ إثارة لحسِّ المحبةِ والرأفة و تلويح إلی أن العفو أحب.*

 

قوله تعالی: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ‌. مبتدأ خبره محذوف أي فعليه أن يتبع القاتل في مطالبة الدية بمصاحبة المعروف، من الاتباع و علی القاتل أن يؤدي الدية إلی أخيه ولي الدم بالإحسان من غير مماطلة فيها إيذاؤه.

‏قوله تعالی: ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ. أي الحكم بانتقال القصاص إلی الدية تخفيف من ربكم فلا يتغير فليس لولي الدم أن يقتص بعد العفو فيكون اعتداء، فمن اعتدی فاقتص بعد العفو فله عذاب أليم.

 

قوله تعالی: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‌. إشارة إلی حكمة التشريع، و دفع ما ربما يتوهم من تشريع العفو و الدية و بيان المزية و المصلحة التي في العفو و هو نشر الرحمة و إيثار الرأفة أن العفو أقرب إلی مصلحة الناس. وحاصله أن العفو ولو كان فيه ما فيه من التخفيف والرحمة، لكن المصلحة العامة قائمة بالقصاص فإن الحياة لا يضمنها إلا القصاص دون العفو والدية ولا كل شي‌ء مما عداهما، يحكم بذلك الإنسان إذا كان ذا لب و قوله‌ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‌، أي القتل و هو بمنزلة التعليل لتشريع القصاص.